إن مما يستقبل به شهر رمضان الكريم : " عقد العزيمة الصادقة على استغلال أيامه ولياليه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة " .
أخي :
اعلم أن الله عظم قدر الزمن ، فأقسم به لشرفه ومنزلته ، فقال تعالى : }والعصر (1) ... { ، وقال : } والفجر (1)... { ، وقال عزَّ وجل : } والضحى (1) والليل إذا سجى (2) ... { ، فأقسم بجميع أقسام الوقت لشرفها ومكانتها .
ثم اعلم أن الوقت هو عمرك الذي تعيشه على هذه الأرض .
قال الحسن البصري : "ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك " .
قال الشاعر :
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني
قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ : " ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته ، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة ، فيقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل ، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل "
وقال أحد الصالحين : " العمر قصير فلا تقصره بالغفلة " .
قال بعض السلف : " إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما " .
واعلم ـ أخي ـ : أن الليل والنهار مطيتان للسعادة أو الشقاوة .
أخي :
تأمَّل في قوله ـ تعالى ـ في رمضان : } أياماً معدوداتٍ { ( البقرة : 184) ، فهي أيام سريعاً ما تمر وتنصرم وكأنها لم تكن .
ومن هذا المنطلق أحببت أن أشارك بهذه المقترحات ، وهي بعنوان : " برنامج رمضاني مقترح " .
أخي المبارك : قد تسأل وتقول :
كيف أستثمر أيام رمضان المبارك ؟
أقول : إليك أخي الحبيب هذا المشروع المثمر ـ بإذن الله تعالى ـ لليم الرمضاني ، وأسأل الله ـ عز وجل ـ أن ينفعني وإياك به ، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم .
أولا : قبل الفجر
أن يوم المؤمن الصادق إنما يبدأ قبل صلاة الفجر وليس بعده ، وذلك لما يعلم من شرف هذا الوقت وقدره حين ينزل الرب ـ جل وعلا ـ إلى السماء الدنيا .
ومن أعمال هذا الوقت المبارك ما يلي :
1- الاستيقاظ قبل الفجر مبكراً ، مع ذكر دعاء الاستيقاظ من النوم : " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " ( متفق عليه ) .
2- الذكر الخاص لقيام الليل : قراءة الآيات : } إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب (190) ... { إلى : }... يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (200){ (190ـ200) ( متفق عليه ) .
3- السواك : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه" ( متفق عليه ) .
4- الوضوء لقيام الليل .
5- التهجد : قال الله ـ تعالى ـ : { أمن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمه ربه { ( الزمر : 9) .
6- سحور : قال صلى الله عليه وسلم : " تسحروا فإن في السحور بركة " ( رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك )
7- الاستغفار وقت الأسحار : قال ـ تعالى ـ : } وبالأسحار هم يستغفرون (18) { ( الذاريات : 18)
8- الإكثار من الدعاء وقت الأسحار : لأنه وقت ينزل الرحمن ، وأحد الأوقات المباركات لاستجابة الدعوات . قال صلى الله عليه وسلم : " إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة " ( رواه مسلم ) .
9- الوضوء : والسنة أن يكون وضوء الصلاة في البيت مع جوازه في المسجد ، قال صلى الله عليه وسلم : " من توضأ ثم خرج إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة إلا غفر له ما خلا ذنبه " (متفق عليه) .
10- الذكر بعد الفراغ من الوضوء : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال : أشهد ألا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل الجنة من أيها يشاء " ( رواه مسلم ) .
11- إجابة المؤذن ، وفضلها عظيم والدعاء بعدها : قال صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يسمع الأذان : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، رضيت بالله رباً وبمحمد نبياً ، وبالإسلام ديناً غفر له ما تقدم من ذنبه " ( رواه مسلم) .
12- أداء سنة الفجر : قال صلى الله عليه وسلم : " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " ( أخرجه مسلم ) .
• السنة في ركعتي الفجر التخفيف ، ـ وأن تكون ركعتين في البيت ـ " كان صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتبن خفيفتين " ( متفق عليه) .
• والسنة الاضطجاع بعدها : كان للنبي صلى الله عليه وسلم من ليله ضجعتان :
الأولى : قبل الفجر بعد فراغه من التهجد والوتر ، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : " كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويقوم آخره ثم يرجع إلى فراشه فإذا أذن المؤذن وثب " ( متفق عليه ) .
• والضجعة الثانية : بعد الفجر قبل صلاة الصبح في بيته ، قالت عائشة ـ رضي الله عنها : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن " ( رواه البخاري) .
وفي رواية : " حتى يؤذن المؤذن" ( متفق عليه ) .
13- أذكار الخروج من البيت ، والدعاء عند الخروج " بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله " ( رواه أبوداود والترمذي وصححه الألباني) .
14- دعاء الذهاب إلى المسجد : " اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً ... " ( متفق عليه ) .
15- الأذكار العامة عند دخول المسجد : " بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك " ( متفق عليه ) .
16- إذا دخل المسجد صلى بوضوئه ركعتين : قال صلى الله عليه وسلم : " من توضأ ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه " . ( متفق عليه ) .
17- المحافظة على مكان في الصف الأول قال صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ولم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا " ( متفق عليه ) .
ثانياً : بعد طلوع الفجر
ومن أعمال هذا والوقت المبارك ما يلي :
1- التبكير لصلاة الصبح : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا " ( متفق عليه ) .
2- الانشغال بالذكر والدعاء حتى إقامة الصلاة : قال صلى الله عليه وسلم : " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة " ( صححه الألباني في الإرواء ) .
3- الجلوس في المسجد للذكر ـ أذكار الصباح ـ وقراءة القرآن إلى طلوع الشمس : " فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس ( رواه مسلم ) .
4- صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس : قال صلى الله عليه وسلم : " من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة ، تامة ، تامة " ( رواه الترمذي وحسنه الألباني والأرناؤوط ) .
وذلك بعد طلوع الشمس بحوالي ربع ساعة .
5- النوم مع الاحتساب فيه قال معاذ ـ رضي الله عنه ـ : " إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي " .
يقول الشيخ محمد الأمين ـ حفظه الله ـ هل هذا النوم قبل الظهر يعد من القيلولة؟ الله أعلم لكن السلف يقولون لابد من نوم شيء من النهار وشيء من الليل للاستعانة به على الليل ، وفي الحديث : " ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة " (متفق عليه) دليل على أنهم في غيره يقيلون قبل الزوال ، وجاء في حديث ضعيف : " استعينوا بالقيلولة على قيام الليل " .
قال قال ابن حجر في حديث : " ما كنا نقيل ... " والمعنى أنهم كانوا يبدءون بالصلاة قبل القيلولة أي صلاة الجمعة ، بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحر فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون .
وذكر ابن المنير أن العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال فأخبر الصحابي أنهم كانوا يشتغلون بالتجهيز للجمعة عن القائلة ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة " ( متفق عليه ) .
6- الذهاب إلى العمل أو الدراسة : قال صلى الله عليه وسلم : " ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده " ( أخرجه البخاري ) .
7- الانشغال بذكر الله طوال اليوم : قال ـ تعالى ـ } الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم { (آل عمران : 191) .
8- صدقة اليوم ـ ولو بشق تمرة ـ مستشعراً دعاء الملك : " اللهم أعط منفقاً خلفاً" (متفق عيه) .
9- صلاة الضحى : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال " ( رواه مسلم ) .
ثالثاً : الظهر
ومن أعمال هذا الوقت :
1- صلاة أربع ركعات سنة الظهر القبلية .
2- صلاة الظهر في وقتها مع التبكير إليها .
قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى ، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه " ( أخرجه مسلم) .
3- صلاة سنة الظهر البعدية ركعتان .
4- أخذ قسط من الراحة مع نية صالحة .
رابعاً : العصر
ومن أعمال هذا الوقت :
1- صلاة العصر في جماعة ، مع الحرص على صلاة أربع ركعات قبلها ، قال صلى الله عليه وسلم : " رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً " ( أخرجه أبو داود وقال : حديث صحيح ) .
2- سماع موعظة المسجد : قال صلى الله عليه وسلم : " ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يقرؤون كتاب الله ويتدارسون فيما بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده " .
وعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان له كأجر حاج تاماً حجته " ( رواه الطبراني وصححه الألباني ) .
3- الجلوس في المسجد لقراءة القرآن والذكر .
4- قضاء حوائج الأسرة .
5- عقد جلسة أسرية لمدارسة القرآن الكريم والسنة النبوية ، وبعض الأحكام الرمضانية ، أو سماع إذاعة القرآن الكريم .
خامساً : المغرب
ومن أعمال هذا الوقت ما يلي :
1- الانشغال بالدعاء قبل الغروب : قال صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ترد دعوتهم ... " وذكر منهم " الصائم حتى يفطر " ( رواه الترمذي ، وقال : حديث صحيح )
تناول وجبة الإفطار مع الدعاء : " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله " ( رواه أبو داود والدار قطني وقال إسناده حسن ) .
2- المشاركة في تفطير صائم : قال صلى الله عليه وسلم : " من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيءُ " ( أخرجه أحمد وصححه الألباني )
3- أداء صلاة المغرب جماعة في المسجد مع التبكير إليها .
4- الجلوس في المسجد لأذكار المساء .
5- الاجتماع مع الأهل والأبناء للمؤانسة وتناول وجبة خفيفة من الطعام .
6- الاستعداد لصلاة العشاء والتروايح .
سادساً : العشاء
ومن أعمال هذا الوقت ما يلي :
1- صلاة العشاء جماعة في المسجد مع التبكير إليها .
2- صلاة التروايح كاملة مع الإمام : قال : صلى الله عليه وسلم : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله ما تقدم من ذنبه " . وقال صلى الله عليه وسلم : " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " (رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ) .
3- برنامج مفتوح :
زيارة قريب أو صديق أو جار .. ، ممارسة نشاط دعوي ، مطالعة شخصية ، درس عائلي ، تربية ذاتية ، حضور مجلس ذكر ... مع الحرص على الأجواء الإيمانية واقتناص فرص الخير في هذا الشهر الكريم .
وليكن لسانك رطب بذكر الله فهو شهد الأفواه وقوت القلوب ومؤنس الأرواح ، وهو الغيمة الباردة والتجارة الرابحة .