ولد محمود ابراهيم اسماعيل موسى وشهرته «محمود شكوكو» في أول تموز (يوليو) العام 1912 في احدى حواري حىّ الجمالية الشعبية بمدينة القاهرة، وكان والده يعمل في مهنة النجارة التي ورثها عن أبيه وورثها أبوه عن أجداده، وكان من الطبيعي أن يعمل شكوكو... نجارا مثل والده لأن أبناء الحرفيين «يشربون» الصنعة من آبائهم ولا يلحقهم الآباء بالمدارس.
كلمة شكوكو... جزء من اسم محمود... وأدرجت في شهادة ميلاده، وأصبح له اسم مركب «محمود شكوكو»، وقد أطلقه عليه جده اسماعيل موسى، الذي كان يهوى تربية الديوك الرومي «الدندي» أو التركي كما يطلق عليه في بعض البلدان العربية، وكانت الديوك تتعارك فيما بينها وأحدها الأكبر حجما كان يطلق صيحة متميزة عندما يشتبك مع الديوك الأخرى، ويبدو كأنه يقول «ش ش كوكو» فأعجب الجد بهذا الديك، وكان يهتم به أكثر من الديوك الأخرى.
وعندما أنجب ابنه ابراهيم ولدا أراد الأب أن يسميه «محمود»، وتمسك الجد باسم «شكوكو» وارضاء للاثنين تمت كتابته في شهادة الميلاد محمود والشهرة «شكوكو» ثم أعيد قيد اسمه مركبا «محمود شكوكو» في السجلات.
بدأت شهرته وشعبيته تزداد يوما بعد يوم بعد أن اقتحم مجال التمثيل والمنولوج لدرجة أن محافظة الاسكندرية أطلقت اسمه على محطة الترام بحيّ كامب شيزار بدلا من اسم «محطة المسرح القومي».
وعندما كبر شكوكو... اكتشف أن احدى جزر اليابان الشهيرة اسمها «جزيرة شكوكو» فأصبح يرددها نكتة في الحفلات وبأن جده باع ورشة النجارة في حيّ الجمالية واشترى جزيرة في اليابان!.
تماثيل شكوكو
اشتهر شكوكو بالجلباب البلدي والطاقية الطويلة... التي يضعها على رأسه وهو يغني ويمثل... ومن شدة اعجاب أحد النحاتين به... صنع له تمثالا من طين الصلصال وعرضه للبيع، وبسببه وقعت هوشة بين 3 من المارة... أراد كل منهم شراءه فرفض صاحبه أن يبيعه وطلب منهم أن يعودوا في اليوم التالي وسيجد كل منهم نسخة من التمثال.
وبالفعل صنع 5 تماثيل بيعت كلها... فصنع عشرة تماثيل، ولكن من الجبس بدلا من طين الصلصال لتكون خفيفة ورخيصة الثمن وبيعت كلها، ومن هنا انتشرت تماثيل شكوكو، وظهر أكثر من صانع في جميع محافظات مصر، ولأن أصحاب مصانع العصائر والمشروبات والأدوية كانوا يبحثون عن زجاجات فارغة فكانوا يشترون جميع التماثيل من المثالين ويقومون بتسليمها الى الباعة الجائلين ليستبدلوا كل تمثال بزجاجة وحسب انتاج كل بائع في حصيلة جمع الزجاجات الفارغة كان يتم تقدير راتبه.
انتشرت تماثيل شكوكو لدرجة أن صناع الحلوى أصبحوا يصنعون عروسة المولد والحصان والفارس... ومحمود شكوكو كلها من الحلوى بدلا من الجبس لتباع في الموالد والأعياد.
اشتغاله بالفن
كان «محمود شكوكو» يخجل من نفسه لأنه لا يقرأ ولا يكتب بعد أن اقتحم مجال الفن.
ولكن... دفعه ذكاؤه الى أن يعلم نفسه بنفسه، فكان يسير في الشارع وعيناه على كل ما هو مكتوب على واجهات المتاجر واللافتات، وكان يدعو المارة ليقرأوا له ما هو مكتوب وكأنه يصورها في ذاكرته، وبالتالي بدأ يحفظ شكل الكلمات، وكان يشتري مجلة «البعكوكة» ذائعة الصيت في ذلك الوقت، ويطلب من أي شخص أن يقرأها له ويحاول تقليد ما هو مكتوب حتى تعلم القراءة والكتابة وبدأ يحفظ بعض الكلمات الانكليزية والفرنسية التي كانت تتردد في تلك الأيام.
في بداية حياة شكوكو الفنية نال أكثر من علقة من والده، لأنه كان يعمل طوال اليوم في ورشة النجارة وفي الليل يغني في الأفراح والملاهي، وكان في المرحلة الأولى يقلد الفنانين ويغني لمحمد عبد الوهاب ومحمد عبد المطلب ولم يجد استجابة فأدرك بفطرته أنه ليس مطربا... ولو اتجه الى فن المونولوج سيكون أفضل كثيرا.
لقاؤه مع علي الكسار
التقى في هذه الفترة بالفنان علي الكسار الذي أعجب به واختاره ليقدم المنولوجات بين فصول المسرحية مقابل 20 قرشا في الليلة، ولاحظ تفاعل الجمهور معه واعجابهم به فرفع أجره الى 10 جنيهات في الشهر، ومن خلال الكسار تعرف شكوكو على عدد كبير من المؤلفين والملحنين وابتسم له الحظ عندما فتحت له الاذاعة المصرية أبوابها بفضل كروان الاذاعة محمد فتحي، ولحسن حظ شكوكو أن الاذاعة كانت ستنقل حفلا على الهواء من نادي الزمالك بمناسبة عيد شم النسيم فاختاره محمد فتحي ليشارك في الحفل وتسمعه الجماهير في مصر من خلال الراديو، ويسمعه الموجودون داخل حديقة النادي... وبعد أن انتهى من القاء مونولوجاته الفكاهية... هتف الحاضرون جميعا «عايزين شكوكو... عايزين شكوكو» فخرج اليهم محمد فتحي ووعدهم بأن يعيد اليهم شكوكو مرة أخرى بعد المطرب الذي صعد الى خشبة المسرح، وما ان انتهى من وصلته الغنائية حتى هتفت الجماهير مرة أخرى ««عايزين شكوكو... عايزين شكوكو»، واضطر محمد فتحي أن يعيده ثانية الى المسرح ليغني ويلقي المونولوجات، وكانت أول وآخر مرة يظهر فيها مطرب أو مونولوجست مرتين على المسرح ويغني في الاذاعة في اليوم نفسه.
لم ينس أصله
وبالرغم من هذا لم يترك مهنته الأصلية... مهنة أجداده وهي النجارة وصناعة الموبيليا... وانفصل عن والده وافتتح لنفسه ورشة مستقلة في منطقة الرويعي - ما بين القلعة والعتبة بشارع محمد علي - واشتهرت منتجاته التي كانت تباع في أكبر المتاجر في القاهرة مثل شيكوريل وأوريكو وسمعان وصيدناوي.
كان كل ما يجمعه من مال سواء من الموبيليا أو الاشتغال بالفن يسلمه لوالده لينفق عليه وعلى اخوته، وفوجئ ذات يوم بوالده يبلغه خبرا سارا... قال له يا بني كل الأموال التي أعطيتها لي ادخرتها لك واشتريت لك بها هذه البناية وأطلقت عليها اسمك.
فرقة استعراضية
في العام 1946 كون محمود شكوكو فرقة استعراضية باسمه تضم عبد العزيز محمود، وتحية كاريوكا وسميحة توفيق وتقدم عروضها على مسرح حديقة الأزبكية بالقاهرة.
كان شكوكو شغوفا بفن العرائس وخصوصا بعد انتشار تماثيله التي تباع في كل مكان وينادى عليها «شكوكو بقزازة»... فقرر أن يحول نشاطه من الفن الاستعراضي الى فن العرائس، خاصة وأنه نجار ماهر وصانع ماهر فكان يقوم بتصنيع العرائس الخشبية وقدم بعض مسرحيات العرائس مثل «السندباد البلدي» «الكونت دي مونت شكوكو» وكلاهما من تلحين محمود الشريف وسيد مكاوي ومن اخراج صلاح السقا، وكان يقوم بالتمثيل فيها السيد راضي ويوسف شعبان وحمدي أحمد وصلاح السقا.
كان أجر الواحد منهم 50 قرشا أيام البروفات والتدريب، وجنيهين في اليوم أيام العروض للجمهور.
وبالرغم من أن مسرح شكوكو للعرائس توقف نشاطه أواخر العام 1963 لضيق الأحوال المادية، الا أنه كان البداية الحقيقية لانشاء مسرح القاهرة للعرائس.
الأراجوز
التصق اسم شكوكو بشخصية الأراجوز التي أكسبته شهرة واسعة... ويحسب له أنه أحيا فن الأراجوز الذي كان قد اندثر لدرجة أنه غنى للأراجوز أغنية «ع الأراجوز يا سلام سلم»، وكان يعاونه أحد أشهر فناني الأراجوز في مصر واسمه علي محمود، وطاف هو وشكوكو الكثير من بلدان أوروبا وأميركا اللاتينية بعرائس الأر اجوز الخشبية واشتهر شكوكو بالطاقية والجلابية البلدي وأطلق عليه البعض «شارلي شابلن العرب»، شكوكو هو أول فنان مصري يركب في أواخر الأربعينات السيارة الانكليزية ماركة «بانتيللي» التي لا يركبها غير اللوردات والسفراء والأمراء ما أثار عليه حقد أفراد الأسرة المالكة وبعض أفراد العائلات الأرستقراطية وأجبروه على بيعها.
قصة حب
اقترنت ملكية شكوكو لهذه السيارة بقصة حب ربطت بينه وبين سيدة المجتمع عائشة هانم فهمي صاحبة القصر المعروف باسمها في الزمالك، ويقال ان هذا الحب انتهى بالزواج بعد طلاق عائشة فهمي من زوجها الفنان يوسف وهبي الذي اشتاط غيظا وحقدا على محمود شكوكو وحرض عليه رجال القصر وأبناء العائلات الأرستقراطية في مصر ليحولوا بينه وبين الاستمرار زوجا لاحدى سيدات هوانم المجتمع، لأن يوسف وهبي يرى أن زواج شكوكو من عائشة فهمي طعنة لبنات الأسر الأرستقراطية والأسر الكريمة والعائلة المالكة في مصر... وتحولت نقمة القصر وغضب يوسف وهبي على شكوكو الى حملة مسعورة ضده لم يستطع هو ولا عائشة الصمود أمامها... فابتعدا لكنه أبدا لم يتأثر حبها له وحبه لها حتى بعد زواجه من أم أولاده.
وقد طلقها شكوكو بعد أن دعاه مجموعة من أصدقائه، وحيد فريد ومحمود فريد وأبو السعود الابياري وأحمد عزت مدير الشهر العقاري زوج زوزو شكيب وسعيد مجاهد ونجيب خوري... وحضر اليهم شكوكو على قهوة الأوبرا ومعه كلبه الضخم وأقنعوه بأن يطلقها.
زيجاته
تزوج شكوكو ثلاث مرات... الأولى... أم ولديه سلطان وحمادة... والثانية... فتاة صغيرة تزوجها بالرغم من معارضة أسرتها لكنها مرضت بمرض خطير وطاف بها على أطباء مصر وأولياء الله وأنفق عليها آلاف الجنيهات على علاجها لكنها ماتت واقتنع أهلها بأنه انسان طيب وعطوف ووافقوا على أن يزوجوه أختها الصغرى.
بالرغم من شهرة شكوكو الطاغية كممثل وفنان ومنولوجست الا أنه لم يترك مهنته ومهنة والده وأجداده مهنة النجارة وصناعة الموبيليا حتى انه هو الذي قام بنفسه بتصنيع موبيليا شقته عند زواجه من أم سلطان.
الجلباب والطرطور
أصبح الجلباب البلدي والطرطور سمة مميزة لشخصية محمود شكوكو، وقد ظهر بهما على المسرح للمرة الأولى على مسرح البوسفور في باب الحديد.
حتى يوم كرمه الرئيس الراحل أنور السادات في عيد العلم والفن ذهب الى الحفل مرتديا الجلباب البلدي تكريما لتاريخه الحافل في جميع ألوان الفنون وبخاصة السينما التي قدم لها أكثر من «200» فيلم.
كان أول فيلم يشارك فيه محمود شكوكو فيلم «حسن وحسن» العام 1944، وفي العام التالي مثل أكثر من فيلم في آن واحد وهي بالترتيب فيلم «تاكسي حنطور» و«البني «آدم» و«الصبر طيب».
وفي العام التالي العام 1946 مثل «عودة طاقية الاخفاء»، «الدنيا بخير»، وفي هذا الفيلم وقعت مشكلة كبرى فقد احتج علي الكسار على وضع اسم محمود شكوكو قبله ومساحة دوره في الفيلم أكبر من مساحة دور الكسار الذي هاج وماج وقال:«ازاي تكتبوا اسم شكوكو قبل اسمي ويبقى دوره أكبر من دوري في الفيلم... انتم ناسيين ان شكوكو أنا اللي عملته، وأنا اللي قدمته؟ ده كان بيشتغل عندي بنصف جنيه في اليوم... جرى ايه؟!
وفي بداية العام 1947 أصبح معدل اشتراكه في الأفلام يتراوح ما بين «5» و«10» أفلام في العام الواحد فقد مثل «الفرسان الثلاثة» و«أمل ضائع» و«هدية» و«البريمو»، و«صباح الخير»، «بنت المعلم».
وفي العام 1948 مثل «الهوى والشباب»، «يحيا الفن»، «حب وجنون»، «اللعب بالنار»، و«البوسطجي» و«بنت عز» و«عنبر» و«أميرة الجزيرة».
وفي العام 1963 بعد أن مثل «زقاق المدق» ابتعد تماما عن السينما بسبب المرض والمشاكل حتى عاد العام 1971 في فيلمين هما «حرامي الورقة» و«واحد في المليون» بعدهما مثل فيلم «أميرة حبي أنا»... وكان آخر فيلم مثله محمود شكوكو في حياته فيلم «شلة الأنس».
النهاية
بعدها اشتد عليه المرض وتم نقله الى مستشفى «المقاولون العرب» بالجبل الأخضر بمدينة نصر بالقاهرة وظل بها أكثر من 3 أشهر في الغرفة رقم 602 فقدخلالها ما تبقى له مما امتلكه بعد أن ترك عمله لفترة وساءت أحوال متجره وما أنفقه على علاج زوجته الثانية فما تبقى له سوى القليل الذي صرف أيضا على علاجه هو بعد أن اشتد المرض عليه واستكمل علاجه على نفقة الدولة من دون علمه خوفا من أن يشتد المرض عليه ممن حوله ومعايرته بذلك.
وبالرغم من ذلك كان يتصل بالصحف ويناشد أصدقاءه الفنانين وجمهوره العريض أن يقوموا بزيارته في المستشفى ليخففوا عنه آلامه وكان يقول في الجرائد والمجلات:«انه ثري وعنده مئات الألوف من الجنيهات ولا يطلب مساعدة أو علاجا على نفقة الدولة... كل ما يريده فقط أن يزوره الناس في المستشفى.
وبالفعل توافد عليه المئات... لكنه رحل عن دنيانا يوم 21 شباط (فبراير) 1985.