القــُـدس واحدةٌ من أقدم مدن الأرض كافه، وتاريخياً، يُعتبرُ اليبوسيون هم اول من سكن القدس، وهم من قبيلة يبوس التي تنحدر من الكنعانيين، وهم بطنٌ من بطون العرب الأوائل وفرعٌ من الساميين حيث ينسبون إلى سام إبن نوح ،وقد نزح اليبوسيون من شبه الجزيرة العربية موطن العرب منذ أربعة ألاف سنةٍ قبل الميلاد، وحطو رحالهم حول نبعٍ غزير فوق أحد جبال القدس، ومن ثم إستوطنوا فلسطين وانشؤوا فيها المدن وسميت بأرض كنعان، ومنها يبوس وهي القدس..
وقد ورد اسم فلسطين على انها أرض كنعان في التوراة في سفر العدو 34، 35، وباسم بلاد الكنعانيين في سفر الخروج 3،7
أما الفلسطينييون الذين سميت البلاد باسمهم فيما بعد، فقد كانوا يسكنون البلاد في القرن الثاني عشر قبل الميلاد أي قبل أن تبدأ القبائل العبرية بالتسلل إلى فلسطين أو أرض كنعان في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وقد وجدت فيها سكان البلاد في ذلك الحين ألا وهم الفلسطينييون والكنعانييون، بثقافتهم وحضارتهم ومدنهم القائمه، ولم يحدث قط أن أذعن السكان الأصليون للمتسللين من العبرانيين، فقد ظلوا مسيطرين على السهول الساحلية الممتدة على طول البحر الأبيض المتوسط، ولكن استطاع العبرانييون على سلسلة الجبال الداخلية بما فيها القدس لمدةٍ تزيد على قرنين من الزمان …
كان خروج بني إسرائيل من مصر في عهد رمسيس الثاني في عام 1250 قبل الميلاد، وكان قائدهم آنذاك هو موسى، ولما وصلوا إلى مشارف القدس رفضوا المحاربة مع موسى ودخولها كما هو مذكورٌ في القرأن الكريم مراراً وتكرارا، فكان عقابهم هو التيه في صحراء سيناء أربعين عاما، وبعد وفاة موسى جاء من بعده يوشع وقاد بني إسرائيل لاحتلال أريحا عام 1189 قبل الميلاد، ولكنه لم يستطع احتلال يبوس، وبعد وفاة يوشع زحفوا إليها من جديدٍ بقيادة يهوذا واستطاعوا احتلالها، ومن ثم دخلت يبوس في حكم داوود عام 1049 قبل الميلاد، ومن ثم دخلت في حكم سليمان..
كانت يبوس كما ذكرنا مسبقاً مدينةً ذات حضارةٍ وعمران، إقتبسها العبرانييون من أصحابها الأصليين اليبوسيين، وبعد موت سليمان إختلف كلٌ من أبناءه يويعام ورضعام فيها بينمها، وإنقسمت الدولة إلى يهودا وعاصمتها أورشليم وإسرائيل وعاصمتها شكيم، وبقيت الدولتان في حالةٍ من الفوضى والنزاع إلى ان جاء نبوخذ نصّر عام 590 قبل الميلاد وقضى على كلا الدولتين ونفى العبرانيين إلى بابل..
بعد ذلك، ظهر المكابيون واستولوا على القدس عام 563 قبل الميلاد، وهم أيضاً من العبرانيين، ولكنهم إختلفوا فيما بينهم أيضاً ولم يمهلهم القائد الروماني يوجي واحتل القدس منهم في نفس العام وقضى عليهم وعلى الوجود اليهودي في القدس تماما …
وفي عام 538 قبل الميلاد، احتل الفرس القدس وكانت تسمى حينها أورسالم واستطاع اليهود العودة إليها بعد أن إستطاعت الغانية اليهودية الحسناء إستر عشيقة ملك بابل من استخراج قرارٍ يسمح لليهود بالعودة إلى بيت المقدس، وظلت اورسالم تابعةً للفرس ويسكنها اليهود حتى أحتلها الإسكندر المقدوني عام 332 قبل الميلاد …
ثم دخلت هيروساليما في حوزة الرومان على يد بومبي عام 63 قبل الميلاد، ومن حكامهم كان هيرودست الذي ولد المسيح في أخر حكمه، وصلب شبيهه في عهد بيلاطس بونيتوس، ويقال أنه أُكره على صلب المسيح كما يعتقدون ولا نعتقد على يد اليهود، ومن ثم جاء القائد تيطس عام 70 للميلاد وحاصر القدس طويلاً حتى سقطت في يده، فأسر من اليهود من أسر وقتل منهم من قتل، وبيع بقيتهم في سوق الرقيق..
ومنذ ذلك الوقت إنقطعت صلة اليهود ببيت المقدس وحكمها الرومان حتى عام 637 للميلاد حين فُتحت القدس على يد المسلمين وسُلمت المدينة إلى عمر بن الخطاب دون أن تسفك قطرة دمٍ واحده..
وقد أجمعت الدراسات والحفريات الأثرية العربية والعالمية على أن العرب اليبوسيين هم أول من سكن القدس، ولقد أتى اليهود إلى مدينة القدس حوالي عام 1000 قبل الميلاد أي بعد 3000 آلاف عامٍ من إنشائها على يد اليبوسيين العرب ،وقد حاولوا اغتصابها منهم مراراً ولم يفلحوا في ذلك إلى أن توصلوا بما عُرف عنهم من المكر والخداع بمساعدة بعض الخونه إلى الطرق السرية التي تصل بين النبع خارج المدينة وبين قلبها ومن ثم احتلالها..
وقد فشلت جميع الحفريات التي جرت من قبل السلطات الاجنبية سواءٌ أكانت الأمريكية منها أم البريطانية من العثور على أثارٍ إسرائيليةٍ أصيلة في القدس بهدف إضفاء صفة الشرعية على احتلالها وتوطين اليهود فيها وتهويدها لاحقا، وقد فشلت حتى الآن في العثور على أثرٍ واحدٍ للهيكل المزعوم أو ما يسمى بهيكل سليمان والذي يعتبره الإسرائيليون الدليل المادي على أحقيتهم في المدينة المقدسه …
لقد إغتصب بنو إسرائيل الأرض والمدينة من أصحابها الشرعيين، وبالرغم من ذلك فإن تلك الفترة التي حكموا فيها المدينة لا تتعدى القرنين ونصف، وهي فترةٌ لا تكاد تُذكر من عمر المدينة الذي يمتد إلى ما قبل عام 4000 قبل الميلاد إلى يومنا هذا..
كذلك، يقيم الصهاينة حقهم المزعوم في القدس على أساسٍ ديني، وعلى أساس أن التوراة قد وعدتهم بالعودة إلى فلسطين..
ولقد تحققت تلك النبوءة فعلا، فلقد عاد اليهود إلى فلسطين بعد الغزو والسبي البابلي كما أسلفنا من قبل، ولكن ليس هنالك ما يقول في التوراة بأن هنالك عودةً ثانيةً لهم، بل على العكس من ذلك، تُقر التوراة بتشتت اليهود الأبدي على غرار الإسلام وكما ذُكر في القرأن
موسى 5، 64 : سيشتبك يهوه بين كل شعوب الأرض من أقصى الأرضِ إلى أقصاها
يرميا 13، 14 : ولذلك أريد أن أشتتهم كالهشيم الذي تذروه الرياح في الصحراء
وقد كان الوعد الإلهي لهم بالعودة إلى فلسطين مشروطاً بالولاء لله والمحافظة على عهده، والحقيقة المعروفة للجميع أنهم قد أخلوا بتلك الشروط وخالفوها، بل وحتى ان ذلك قد ذُكر في التوراة أيضا
سفر الخروج : فالأن إن سمعتم وصيتي تكونوا لي خاصةً من جميع الشعوب
وكلم موسى بني إسرائيل واخبرهم بما طلب منهم ربهم ولم يستمعوا إليه، فجاء الرد في التوراة على لسان الله أيضا
سفر أخيار الأيام الثاني، الإصحاح السابع : ولكن إنقلبتم وتركتم فرائضي ووصاياي فإنني أقلعكم عن أرضي
وفي روايةٍ أخرى من التوراة أيضا، جاء ما يثبت ملكية القدس لليبوسيين ويبين أنهم (أي بني إسرائيل) كانوا غرباء عنها
وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جداً، قال الغلام لسيده تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها، فقال له سيده لا نميلُ إلى مدينةٍ غريبةٍ لا أحد فيها من بني إسرائيل
وبهذا يتبين لنا أنه لا حق لليهود في فلسطين ولا في القدس بأي وجهٍ من الوجوه، بحسب كافة القوانين والشرائع السماوية منها والوضعية من قبل البشر..