ذكريات هذه الفترة لا ينقلها الأجداد بالدقة نفسها التى نقلتها الصحف وتحديداً فى السنوات المحصورة بين عامى ١٩٤٩ و١٩٥٦، حيث نشرت مجلة «روزاليوسف» فى عددها رقم ١١٠٠، الموافق ١٧ رمضان، ١٣ يوليو ١٩٤٩، موضوعاً عن تصميمات «المايوهات» حول العالم فى هذه الفترة، ولم يخف أحد من الهجوم المحتمل على المجلة بعد نشر مثل هذا الموضوع فى رمضان.
وكأن الزمان يعيد نفسه، وقبل ما يزيد على ٥٠ عاماً، شهدت مصر أثناء شهر رمضان عام ١٣٧٣هـ، والموافق شهر مايو ١٩٥٤، أزمة ارتفاع أسعار بعض السلع مثل: القمح والزيت والسكر واللحم، وهو ما دفع مجلة «روزاليوسف» إلى إجراء حوار قصير مع وزير التموين وقتها، الدكتور محمد صبرى منصور، فى عددها رقم ١٣٥٣، وكان السؤال الأول: «هل تنوى الوزارة اتخاذ إجراءات لتخفيض أسعار بعض المواد التموينية كالأرز والسكر وغيرهما؟».. وهو ما أجاب عنه الوزير بأن أسعار السلع التموينية كالقمح والسكر والزيت والأرز تقوم الحكومة بدفع إعانة لتحقيق الوصول إلى هذه الأسعار، ويؤكد الوزير فى إجابته أن «هذه الأسعار منخفضة إذا قيست بأسعارها فى الخارج».
وجاء سؤال «المجلة» الأخير: «هل تنوون تغيير نظام التسعير الجبرى؟».. وأجاب الوزير: «لم يفشل نظام التسعير الجبرى حتى نغيره، ولو تركنا السوق لارتفعت الأسعار».. ويضرب «الوزير» مثلاً بأسعار اللحوم قائلاً: «لو تركت دون تسعيرة لارتفعت بجنون».
ويبدو أن «وزير التموين» وقتها كان ضيفاً دائماً على صفحات الجرائد والمجلات، حيث نشرت «جريدة الأهرام» فى عدد ١٧ مايو ١٩٥٣، بياناً أرسله «الوزير» إلى «الجريدة» موضحاً به: «أسباب نقص الطماطم والخيار والتفاح وقمر الدين»، حيث يفسر الوزير سبب نقص «قمر الدين» بأن سوريا هى البلد الوحيد المنتج له، وأنها أصيبت فى ربيع العام الماضى بقلة محصول المشمش الذى يصنع منه قمر الدين، وهو ما أدى إلى تصدير سوريا نسبة ضئيلة جداً منه لا تتجاوز ٢٢% مما كانت تستهلكه البلاد فى السنوات السابقة.
وينتقل الوزير إلى تفسير أسباب نقص المعروض من التفاح والبرتقال، قائلاً: «موسم كلٍ منهما قد انتهى فتناقص المعروض منه وسيستمر فى النقص».. وفيما يتعلق بنقص الخيار فى تلك الفترة، أشار «الوزير» إلى أنه «تم عرض كميات فى السوق تبشر بانتهاء الأزمة، كما أن الوارد من الخيار سيستمر فى الزيادة».
ويُختتم البيان بعرض أسباب نقص الطماطم، والتى تمثلت فى أن تسعيرها كان بناءً على «تقدير مبدئى للمساحات المزروعة روعى فيه الربح للمنتجين».. ولكن «اتضح من بيانات وزارة الزراعة التى جاءت بعد ذلك أن مساحة الأرض المزروعة بالطماطم قلت كثيراً عما كان منتظراً.. حيث أكد بعض المنتجين أن المساحة المزروعة لم تتجاوز ٣٠% مما كان يزرع عادةً فى الفترة نفسها من الأعوام السابقة».. ويضيف «الوزير» على هذا السبب كون «موجة الحرارة فى أواخر أبريل قد ساعدت على نضج الطماطم بسرعة ملموسة».. وهو ما تسبب، بحسب البيان، فى «زيادة المعروض منها»، مدللاً بأن «السعر الذى بيعت به فى تلك الفترة كان يقل عن السعر الذى حددته الوزارة».
وقبل أكثر من ٦٠ عاماً، تزامن شهر رمضان الكريم مع شهر يوليو عام ١٩٤٩، مما دفع مجلة «روزاليوسف» فى عددها رقم ١٠٩٩ فى ٦ يوليو ١٩٤٩، الموافق ١٠ رمضان، للقيام برحلة صحفية عن الإسكندرية فى الصيف، تحت عنوان: «الإسكندرية صائمة».. بدأ الصحفى رحلته متعجباً من الفراغ الذى أصاب الشواطئ هناك.. «الإسكندرية صائمة هذا العام رغما عنها.. والإسكندرية لم تتعود الصيام فى حياتها.. ولكن شياطين الفتنة تخلوا عنها، ورفعت الشواطئ علم الفضيلة والتقوى والإيمان، وأصبحت مغانى ستانلى وسبورتنج وسيدى بشر وجليم أفضل مكان للتبشير بمبادئ الشيخ أبو العيون، فالإنسان يستطيع السير على طول الشواطئ من العجمى حتى سيدى بشر، فلا تقع عيناه على منظر واحد يبطل صيامه.. بل إن الأجساد العارية المبعثرة أمام بعض الكباين تقنعك إقناعاً لا يحتمل الشك بأن الفضيلة كنز لا يفنى وأن الآخرة خير لك وأبقى!».
الفضيلة التى يتحدث عنها الصحفى، لم تقتصر على الفراغ الذى أصاب الشواطئ، بل امتدت لتشمل «الألم» الذى سيصيب «عشاق الإسكندرية» عند رؤيتهم «شقق ستانلى وسبورتنج أنظف من قلب المؤمن، تشكو الوحدة وتعيش على الذكريات، فالإقبال يكاد يكون معدوماً بالرغم من أن الإيجارات قد هبطت بنسبة خمسين فى المائة عن أسعار العام الماضى».
الصحفى يتحدث بحسرة عن عدم قدرته على إيجاد تفسير لهذا «البوار» الذى تعانيه الإسكندرية، فشهر رمضان، كما يؤكد، «لم يمنع المصطافين فى الماضى عن شواطئ الإسكندرية».. محاولاً إقناع القراء بالعودة إلى المصيف.. «كل من قضى شهر رمضان على الشاطئ يعرف أنه المكان الوحيد الذى لا يحس فيه الصائم بوطأة الجوع».
يعود كاتب التحقيق ليقدم تفسيراً آخر «للكساد الذى أصاب الإسكندرية هذا العام»، على لسان إسماعيل صدقى باشا الذى «مضى أكثر أوقاته هذا الصيف مع محمد فرغلى باشا، على شاطئ جليم».
يقول «دولة صدقى باشا» إن أزمة المصايف فى الإسكندرية هى وجه من وجوه أزمة المصايف فى جميع المناطق المصرية.. فـ«رأس البر» ليست أوفر حظاً من الإسكندرية، كما أن بلطيم وبور فؤاد ومرسى مطروح لا يتجاوز فيها المصطافون عدد أصابع اليد الواحدة.. والسبب فى هذا كله «الأزمة الاقتصادية والشلل الذى أصاب الأسواق المالية والهبوط الذى وقع فى الأسهم والسندات، فمصر تبحث اليوم عن الاستقرار، وتبحث عن وسيلة لوقف الأزمة الاقتصادية، لأن الأسواق المالية فقدت الثقة».
وفى الوقت الذى تتزايد فيه الآن دعوات لتخصيص شواطئ للنساء، بعد نجاح التجربة فى أحد شواطئ مارينا، فإن مجلة «روز اليوسف» تذكر قبل ٦٠ عاماً، فى عددها رقم ١٠٩٨، الموافق ٢٩ يونيو ١٩٤٩، والذى تزامن مع الأيام الأولى من شهر رمضان فى هذا العام، أن تلك الشواطئ كانت موجودة بالفعل فى الإسكندرية، وتم إلغاؤها بسبب عدم إقبال النساء عليها، و«تفضيلهن الاستحمام فى شواطئ الرجال».
بدأت «المجلة» سرد تفاصيل الموضوع بتأكيدها أن السيدات لا يقبلن على الاستحمام (السباحة) فى شواطئ سيدى بشر وجليم، المخصصة لاستحمامهن فى الوقت المحدد لهن صباح كل يوم.. وأكملت: «فى الوقت الذى تخلو فيه حمامات النساء منهن، تجد حمامات السباحة الخاصة بالرجال غاصة بالمستحمات السابحات».. ومن هنا، وفقاً للمنشور بالمجلة، فقد كانت هذه الملاحظة أحد «المسائل موضع بحث مجلس بلدى الإسكندرية فى اجتماعه الأخير، الذى قرر خلاله تخصيص ثلاثة أيام فقط من الساعة الثامنة إلى العاشرة صباحاً، بدلاً من أيام الأسبوع كله».. وقد قال أحد أعضاء «المجلس البلدى» فى تصريح للمجلة، حينها: «إننا اتخذنا هذا القرار لرفع العتب بالرغم من أن المجلس يعرف أن السيدات لن يقبلن على الاستحمام بعيداً عن الرجال».. وأردف قائلاً: «إن هذا القرار هو خطوة أولية لإلغاء حمامات النساء فى الصيف المقبل».
وقد نشرت جريدة «الأهرام»، فى عددها الموافق ١٩ مايو ١٩٥٣، ٦ رمضان ١٣٧٣هـ، خبراً عن مائدة إفطار أقامها المسيحيون فى حى مصر القديمة، فى سرادق خاص على ضفاف النيل، امام «قسم البوليس».. واعتبرت «الجريدة» أن «المائدة كانت مظهراً رائعاً من مظاهر التضامن القومى وتقليداً جديداً يوثق عرى الأخوة بين المواطنين مسلمين ومسيحيين».
«لقد حاول الدخيل يوماً أن يفرق بين المسجد والكنيسة، لكننا كلما دخلنا المسجد وجدنا الله أكبر، وكلما دخلنا الكنيسة وجدنا الله محبة، وعلمنا الله واحد فى المسجد وفى الكنيسة وإن اختلفت إليه السبل».. كانت هذه العبارات جزءاً من كلمة الأستاذ وديع حنا شنودة، المساعد الأول لمدير الإيرادات والمصروفات بالسكك الحديدية، وعضو المجلس العام للأقباط الأرثوذكس. هذا فى الوقت الذى أشار فيه فضيلة الشيخ عبدالله المراغى، مدير المساجد بوزارة الأوقاف، إلى وصية الرسول بأقباط مصر، وأوضح سماحة الإسلام فى معاملة غير المسلمين وإشادة القرآن بالحب المتبادل بين العنصرين فى قول الله: «ولتجدن أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى».
كما نشرت جريدة «الأهرام» فى عددها الموافق ١٥ مايو ١٩٥٣، خبراً عن قيام الرئيس محمد نجيب بتهنئة جيرانه بمناسبة شهر رمضان، حيث ذكرت: «خرج الرئيس اللواء أركان حرب محمد نجيب من منزله، بعد تناول الإفطار، فى الساعة التاسعة مساءً، يرافقه اليوزباشى كمال محمدى، وطاف بمنازل جيرانه فى شوارع سعيد وطومان باى ومحمد بخيت، مهنئاً بحلول شهر الصوم المبارك، وعاد إلى منزله حوالى الساعة الحادية عشرة والربع، وكان يقابل فى زياراته بالشكر والدعاء».